“بي بي سي عربي”: تناول برنامج بتوقيت مصر الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية BBC العربية وسم “خليها تعنس” الذي تناول موضوع تكاليف الزواج “المبالغة” والباهضة في ظل تراجع الوضع الاقتصادي في مصر.

وتصف نسمة سعيد التي غطت تفاعلات الحملة “خليها تعنس” هي حملة الكترونية غير ممنهجة انتشرت كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الإجتماعي لينتقد فيها الشباب ارتفاع تكاليف الزواج بشكل غير مسبوق. لم تتبن جهة محددة هذه الحملة، ولكنها ظهرت على هيئة هاشتاغ شارك فيه عشرات الآلاف من الشباب بالتعبير عن آرائهم في متطلبات الزواج وخصوصا في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها مصر خلال الفترة الحالية. ربما استطاعت الحكومة أن توفر فرص عمل لتقلل البطالة إلى أدنى مستوياتها منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولكن متوسط الأجور في مصر لا يمكن أن يعتمد عليه شاب لتلبية متطلبات الزواج. وفي المقابل، ردت الفتيات بحملة مماثلة بعنوان “خليك في حضن أمك” للتعبير عن غضبهن من استسلام قطاع من الشباب وعدم القدرة على تحمل المسؤولية. تلك المسؤولية التي فيها بالطبع جزء أساسي مرتبط بنفقات البيت وتكوين أسرة. ورغم اعتراضي الشديد على مسمى الحملتين الذي يحمل في تقديري إساءة إلى الشابات وإلى الشباب، إلا أن الأمر كله يدور حول الإقتصاد، وهي في تقديري أيضا دعوة مباشرة للمقاطعة والإضراب عن الزواج وتكوين أسر جديدة، وهو موضوع أساسي في حلقة هذا الأسبوع من برنامج بتوقيت مصر.

والملفت أن الإضراب ودعوات المقاطعة لم تتوقف عند هذا الحد! بل ناقشتُ في هذه الحلقة أيضا حملة الكترونية مماثلة في مصر بعنوان “خليها تصدي ” تدعو إلى مقاطعة شراء السيارات الجديدة من موديلات 2019، وذلك احتجاجا على ارتفاع أسعار السيارات رغم إلغاء الرسوم الجمركية بشكل كامل على السيارات ذات المنشأ الأوربي ابتداء من شهر يناير الماضي. وتمكن القائمون على الحملة من الحصول على أسعار السيارات في بلد تصنيعها، وقاموا بإضافة بعض الرسوم الروتينية وتكاليف الشحن المتوقعة ليكتشفوا أن الفارق بين التكلفة وبين سعر البيع مبالغ فيه، فرفعوا شعار “خليها تصدي” وهي من أكبر الحملات الشعبية في مصر حاليا، ولكنها لم تكن لتخرج لولا الظروف الاقتصادية التي باعدت بين السواد الأعظم من المواطنين وحلم اقتناء سيارة جديدة.
ومن المفارقات، أن بعد هذه الحملات التي تدعو إلى مقاطعة أساسيات في الحياة بسبب الظروف الاقتصادية، كانت معي فقرة أخرى عن الدولار وارتفاع سعر صرف الجنيه المصري أمامه واحتفاء أغلب وسائل الإعلام بهذا الأمر الذي اعتبره كثيرون مؤشرا على قوة الاقتصاد المصري. لكن حتى خلال هذه الفقرة لم تغب حملات “خليها تعنس” و”خليك في حضن أمك” و “خليها تصدي” عن تفكيري، متسائلة ما فائدة اقتصاد قوي عاجز عن خدمة صاحبه وهو المواطن عبر سياسات قوية تيسر له أبسط حقوقه في الحياة. ما الذي دفع مواطناً إلى أن يفقد الأمل في الزواج الذي هو من أهم سنن الحياة ومقدساتها وخصوصا في مصر؟ إنها الظروف الاقتصادية التي يعتبر البعض أنها تقود قطاع كبير من المواطنين إلى ترك كل شيء لـ”يعنس”.