قالت سعادة السفيرة بهية جواد الجشي سفيرة مملكة البحرين لدى مملكة بلجيكا ورئيسة البعثة لدى الاتحاد الأوروبي ودوقية لكسمبورغ الكبرى إنه بعد 50 عامًا على تدشين الدبلوماسية البحرينية، يأتي احتفال هذا العام بالمرأة في المجال الدبلوماسي كإحدى المؤشرات الواضحة على ما حققته المرأة البحرينية من دور فعال في جميع مناحي الحياة، فوجود المرأة في هذا المجال دليل على الإقدام والتحدي الذي تملكه البحرينية ليكون الاحتفاء بها دلالة معبرة عن تقدير واعتزاز بالدور الذي تقوم به في هذا المجال الذي لا يخلو من الصعوبات، فالدبلوماسية ليست وظيفة بل مهمة وطنية تقتضي الكثير من التضحيات.
وأكدت سعادة السفيرة، فرادة تجربة مملكة البحرين في مجال المرأة التي تتمثل في أنها ليست برامج قطاعية متفرقة بل تستند إلى استراتيجية وطنية شاملة وواضحة الأهداف وضعها المجلس الأعلى للمرأة لتكون خارطة طريق يلتزم بها الجميع من مؤسسات رسمية وخاصة ومؤسسات مجتمع مدني، وقالت: “ربما كنا من الدول القلائل التي تنفرد بهذا النهج، فمن المدهش أن نرى هذا الإقبال من فتياتنا الشابات على الالتحاق بالعمل الدبلوماسي رغم ما يكتنفه من صعوبات وتحديات، فهي نقلة نوعية في مسيرة المرأة البحرينية”.
وقالت د بهية الجشي في تصريح خاص لوكالة أنباء البحرين (بنا) بمناسبة يوم المرأة البحرينية: “في هذه المناسبة، لابد أن نقف وقفة امتنان لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، الذي جعل موضوع المرأة جزءًا أصيلاً من مشروعه الإصلاحي، حيث أعطاها الميثاق الوطني حق المشاركة في الحياة العامة وصولا إلى ما شهدته وتشهده المملكة من إنجازات ومبادرات جعلت المرأة البحرينية تتبوأ اليوم المكانة المتميزة التي هي جديرة بها”.
وأضافت “عاصرت شخصيًا زمنًا لم تحظ فيه المرأة بامتيازات اليوم ولذلك فأنا أقف بإعجاب أمام هذا التغيير الذي لم يأت كطفرة وإنما بشكل متأن ومدروس لم يسبب أية صدمة للمجتمع، إلى أن وصلنا في مدة قياسية إلى تطبيق مقولة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة بأن المرأة تخطت مرحلة التمكين إلى مرحلة النهوض بنفسها والتقدم وهو الأمر الذي نص عليه خطاب صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء عندما قال (زيادة تقدم المرأة)، فقد حملت قضية المرأة معي دائمًا منذ عملي وكانت طروحاتي في ذلك الوقت غريبة وغير مقبولة لدى البعض، وتعرضت للكثير من سوء الفهم والتفسيرات الخاطئة والتحامل أحيانًا، ولكن هذا لم يثنني عن التمسك بقناعاتي، والحمد لله أنني أشهد اليوم الكثير مما كنا نعتبره أحلامًا، وقد تحقق على أرض الواقع في فترة زمنية قياسية ربما تستغرق عقودًا طويلة في حياة الشعوب”.
وقالت سعادة السفيرة: “نتوقف عند المنعطف الهام الذي دشنته صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد رئيسة المجلس الأعلى للمرأة واضعة الرؤية الملكية السامية في شكلها العملي، انطلاقًا من نظرة ثاقبة حكيمة حولت الآمال إلى واقع ملموس وأولوية قصوى بحيث أصبحت المسألة الآن لا تخص المرأة فقط بل هي مسألة وطنية شاملة”.
وأضافت: “استطاع المجلس الأعلى للمرأة بأمانته العامة النشطة ذات الرؤية الواضحة وبكوادره المتميزة أن يحول هذه الرؤية الثاقبة إلى واقع ملموس عبر استراتيجية محددة المعالم والأهداف التزمت بها جميع مؤسسات الدولة والمجتمع الرسمية والخاصة لتضعها ضمن أولوياتها في البرامج والخطط وهو أمر فريد من نوعه على مستوى العالم، كما أنه تعبير صادق عن عمل الفريق الذي وضعت أسسه صاحبة السمو الملكي من خلال تعاطيها مع عضوات المجلس وبعدها الأمانة العامة للمجلس من خلال تعاملها مع الفريق المتميز الذي يعمل وراء الكواليس بكل أريحية وتفان”.
وعن تجربتها الدبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي قالت د. الجشي: “هي تجربة ثرية بمعنى الكلمة، لأنني أتعامل مع كيان يمثل أوروبا بأكملها وله مؤسساته المتعددة ذات الاختصاص المتنوع، ولكي تتعامل معه لابد أن تكون لديك المعرفة الكافية لاستيعاب هذا التنوع. لقد كان علي أن أدرك أنني أحمل على عاتقي مسؤولية تقديم بلدي بصورته الجميلة وانجازاته وطموحاته، خاصة لكوني امرأة عربية قادمة من بلد صغير لا يعرفون عنه الكثير، ولذلك كانت السنة الأولى هي سنة المعرفة والتعارف واللقاءات المكثفة والبدء في وضع خطة لإقامة واستضافة فعاليات تقدم صورة إيجابية عن بلادنا”.
ولفتت قائلة: “لا شك أن كوني امرأة ذلل أمامي بعض الصعوبات، بالإضافة إلى كوني السفيرة العربية الوحيدة ضمن العدد الكبير من السفيرات، الأمر الذي وضع على عاتقي مسؤولية تمثيل المرأة العربية ككل بالإضافة إلى تمثيل بلدي، ولا شك أن المبادرات الإيجابية والإنجازات التي تحققت في السنوات الأخيرة ساعدت كثيرًا في تقديم البحرين بصورتها الإيجابية الجميلة، سواء من خلال اللقاءات أو من خلال الزيارات المتبادلة.. ولمسنا لدى الأوروبيين رغبة في معرفة المزيد عن سياساتنا الخارجية وأوضاعنا الداخلية وحقوق المرأة وغيرها من المسائل التي أوليناها اهتمامنا”.
وأوضحت د. بهية الجشي أن العمل الدبلوماسي هو واحد من المجالات العديدة التي طالها التطور التدريجي من السبعينات منذ بداية دخول المرأة للسلك الدبلوماسي إلى اليوم الذي نرى فيه أن نسبة النساء تتزايد بحيث لا تكاد تخلو سفارة من سفاراتنا في الخارج من امرأة دبلوماسية فضلاً عن عدد الذين يشغلون مناصب قيادية في ديوان الوزارة.
وعن مسيرة عملها الغنية التي مرت بمراحل متعددة ومتنوعة بين الإعلام ومجال الطفولة والتشريع والدبلوماسية قالت: “لكل محطة من هذه المحطات أهميتها وخبرتها التي أعتز بها وبما حققته فيها من إنجازات. وبطبيعتي فإنني أضع كل جهدي في العمل الذي أقوم به وأجعله أولوية من أولويات حياتي، ولاشك إنني أعتبر عملي في مجال الطفولة إحدى المحطات المهمة التي وضعت فيها مع فريق من الشابات المتحمسات أسس الاهتمام بالطفولة منذ نهاية السبعينات. إلا إنني أجد أن هذه المجالات التي تبدو متباينة هي في الواقع دائرة مترابطة إذا أحسنا استخدامها”.
وفصلت قائلة: “في عملي الدبلوماسي الحالي، استفدت من عملي الإعلامي في مجال الإذاعة والتلفزيون والصحافة، تعلمت منه الجرأة والقدرة على مواجهة الآخرين وإجراء اللقاءات وطرح الأسئلة ومقارعة الحجة بالحجة، خصوصا وأنني كنت شغوفة بإجراء اللقاءات والسهرات الاذاعية التي تمت مع عشرات الشخصيات المعروفة على مستوى الوطن العربي ابتداءً من نجيب محفوظ ومحمد حسنين هيكل ونزار قباني وغيرهم كثيرون: وقد أفادني هذا كثيرًا في عملي الحالي وفتح أمامي الطريق سهلاً بما يقتضيه هذا المجال من لقاءات واجتماعات ومجاملات”.
وقالت: “هنا لابد من كلمة شكر وامتنان أوجهها إلى سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة الذي كان وزيرا للخارجية والاعلام عند التحاقي بالعمل الاذاعي، فأنا أعتبره الإضاءة التي فتحت لي الطريق إذ ابتعثني للمرة الأولى للمشاركة في مؤتمر عربي كبير عن المرأة والتنمية في القاهرة وكانت هذه المشاركة هي الطاقة التي أطللت منها على عالم المرأة الواسع بكل مشاكله وتحدياته. ثم عندما قدمت له تقريري عن المؤتمر أعاده لي بعد قراءة متأنية وملاحظات أثنى بها على ما كتبته”.
وزادت قائلة: “أما التشريع فقد أعطاني فسحة أتحرك فيها بانطلاق حيث جنيت منه حصيلة وافرة ومعرفة بالقوانين والتشريعات التي تحكم جوانب الحياة المختلفة، كما أنه أعطاني اطلالة على المشاكل والتحديات المجتمعية التي تتطلب الاهتمام من قبل السلطة التشريعية، فالعمل التشريعي مسؤولية وطنية شديدة الحساسية تعلمت منها الدقة والتأني في دراسة القرارات وإصدار الأحكام”.
ولفتت د. الجشي إلى أن العمل الدبلوماسي له صعوباته وتحدياته وقالت: “يقتضي الكثير من الجهد والتضحية والمعرفة، فهو ليس وظيفة بقدر ما هو مهمة وطنية شديدة الحساسية تتطلب أن يكون المرء مستعدًا لاستيعاب متطلباتها وظروفها وهو عمل ليس له ساعات دوام محددة، فقد يمتد حتى أثناء العطل والإجازات حيث يختلط العام بالخاص، ولكن المتعة تأتي عندما يشهد الدبلوماسي نجاحه في تمثيل بلده بالصورة المشرفة”.
وعن نظرتها لملف المرأة ومتابعتها له منذ بداية عملها حتى اليوم قالت: ” موضوع تكافؤ الفرص أصبح جزءًا من الخطط العامة لحفظ حقوق المرأة، فالمرأة الأوروبية مازالت تناضل من أجل حقوقها في الأجر المتساوي، بينما يعتبر هذا الأمر عندنا من المسلمات التي لا نتوقف عندها”.
واستكمالاً لأوجه التغيير الإيجابية قالت د. بهية: ” يثلج الصدر ما نراه اليوم من مشاريع شابة رائدة تعكس تطلع المرأة إلى الاستقلال الاقتصادي والمساهمة في تنشيط سوق العمل، فلدينا منظومة تشريعية فيها الكثير من الإنصاف للمرأة وهي آخذة في التطور، ولا زلنا نطمح إلى المزيد، إلا أن الخطوات التي اتخذها المجلس الأعلى للمرأة لسد الثغرات تستحق التنويه والتقدير، فسياسيًا ومنذ ميثاق العمل الوطني والأبواب مشرعة أمام المرأة لدخول عالم السياسة سواء من خلال تبوئها المراكز القيادية في القطاعين العام والخاص أو من باب السلطة التشريعية التي هي في الواقع جزء من السياسة، ورغم الصعوبات إلا أننا نشهد اليوم تحولا في الفكر العام تجاه المرأة وتقديرًا لإنجازاتها وقدراتها.”
وعن المتغيرات التي ساهمت في تقدم المرأة قالت سعادة السفيرة بهية جواد الجشي: “يأتي في مقدمتها التعليم، وهناك دلائل واضحة على شغف النساء بالتعليم وإدراكهن بأنه السبيل الأمثل لتحقيق أحلامهن في الحياة الكريمة المستقلة، إذ أدركت المرأة قوة التعليم وفعاليته لمواجهة تحديات الحياة، الأمر الذي أهلها لدخول سوق العمل بمختلف مجالاته، ثم ما أظهرته المرأة من إبداع في إطلاق مشاريع ومبادرات أهلتها للدخول إلى هذا السوق، وهاتان المنظومتان التعليم والاستقلال الاقتصادي هما أهم عاملين مؤثرين في مسيرتها، تأتي معهما منظومة القوانين والمبادرات الداعمة للمرأة، وعلى رأس كل هذا الدور الحيوي الذي يقوم به المجلس الأعلى للمرأة”.