ولدت فاتن رستم في البحرين وترعرعت في المغرب، وتقيم اليوم في إمارة دبي، وتشغل منصب مدير المشروع في شركة “جنرال إلكتريك لطاقة الغاز”، وتعتبر مثالاً عن المرأة العربية العصرية الشابة، التي تسعى لتحقيق أحلامها وتلهم الأخريات من حولها كل يوم. حيث أنها على استعداد دائم لمواجهة أي تحدٍ مهما بلغت صعوبته وقادرة على إيجاد الفرص في قلب المخاطر.
عندما أيقنت بأن عملها في مجال الاستشارات الإدارية في المغرب غير مناسب لها، أعدت حقائبها ورتبت شؤونها وتوجهت إلى دبي وكان عمرها في ذاك الوقت 24 عاماً، حيث كانت مؤمنة بجميع أحاسيسها أن هذه الخطوة هي الخيار الصحيح.
تتردد في أذني فاتن دائماً إحدى نصائح والدتها، “افعلي ما شئتِ، لكن تأكدي من أن خيارك ليس قائماً على ما سيمكنكِ من التطور فحسب، بل على ما سيشكل تحدياً لكِ”.
مع وصولها إلى دبي، بدأت رحلة البحث عن عمل وركزت بشكل رئيسي على خبرتها في الخدمات المالية. إلا أن المفارقة أن العرضين الوحيدين اللذين تلقتهما كانا من خارج هذا المجال. وتتذكر ذلك بكل باعتزاز بقولها: “اتضح أنه الطريق الأفضل”.
وجاء عرض العمل الذي وقعته من شركة “جنرال إلكتريك”، حيث انضمت إلى برنامج الخريجين، وعملت في التسويق الاستراتيجي. ومن تلك المحطة، واصلت العمل مع “جنرال إلكتريك للنفط والغاز “، وتم اختيارها لاحقاً لبرنامج القيادة الإدارية للمشاريع المرموق لمدة عامين من “جنرال إلكتريك” والمخصص للموظفين ذوي الإمكانات والمهارات العالية.
وتوضح فاتن سبب التحاقها ببرنامج القيادة الإدارية للمشاريع، أنه منذ البداية “رأيت أنني سأفعل أشياء جديدة وأتعلم أشياء أخرى أحبها. وفي الأسبوع الأول من التدريب، استطعت أن أرى أنني لن أشعر بالملل بتاتاً من القيام بذلك!”.
وأثناء وجودها في برنامج القيادة الإدارية للمشاريع، اكتشفت أنها تميل للتواجد في مواقع الإنشاء والتشييد. وفي أول دورة لها، أمضت نحو أربعة شهور في العمل من المكتب، لكنها ذهبت بعد ذلك إلى موقع مشروع في البحرين كجزء من الدورة. وبالنسبة لبقية البرنامج، واصلت أداء مهامها في موقع العمل”.
وتقول فاتن: “أحب ارتداء الخوذة والسترة العاكسة وأحذية السلامة والنظارات والتوجه إلى أرض المشروع. إذ أننا نرى مدى النشاط في العمل على أرض الواقع. ونتمكن من تشجيع فرق العمل. لنشعر وكأننا وسط الحدث، ولا نقوم بمجرد مهام إدارية من الخارج. وإلى جانب ذلك، عند ارتداء معدات السلامة، تتغير الحالة بالكامل وتصبح كأي عامل آخر على أرض المشروع ضمن فريق واحد هدفه تحقيق ذات الهدف”.
وجاء أكبر نجاحات فاتن المهنية، التي تبلغ من العمر الآن 29 عاماً، من عملها على مشروع تولت مهمة تطويره من الصفر، وهو عملية جديدة لتحسين إدارة العمليات المالية.
وبعد قيامها بدراسة موسعة وتحليل دقيق، والتشاور مع الخبراء وأعضاء فريق العمل، بدأت تطبيق تلك العمليات في مهامها اليومية.
وحول ذلك، تذكر فاتن: “كانت تلك الأيام مدعاة فخر بالنسبة لي، فعندما تمت مراجعة وتدقيق تلك العملية من قبل كبير مسؤولي الامتثال لشركة ’جنرال إلكتريك‘ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا في ذلك الوقت لم يجد أي ثغرات أو نقاط ضعف”.
واليوم، تزاول فاتن عملها من دولة الإمارات ضمن مشاريع شركة “جنرال إلكتريك لطاقة الغاز” في البحرين وتونس، وتتولى مسؤولية المحافظة على استقرار الميزانيات وجداول التنفيذ، وتكفل سير العمل وفق الخطط، وتأخذ على عاتقها مهمة إدارة المخاطر وإيجاد حلول سريعة وفعالة لكافة القضايا المرتبطة بالأطراف المعنية.
تتمتع فاتن بشغف كبير تجاه عملها لأنه برأيها “كل يوم مختلف عن سابقه. وعلى الرغم من صعوبة هذا الأمر، إلا أنه يسمح بتنشيط مهارات أخرى وتعزيز الإبداع. وحينها، لن يكون علينا تحليل الأوضاع وتنفيذ المشاريع فحسب، بل يتعين علينا تسخير قدراتنا الإبداعية لإيجاد حلول مبتكرة وجديدة. لذلك أحرص على تشجيع فريق عملي على التحلي بذات العقلية وأسلوب التفكير هذا”.
ترعرعت فاتن محاطة بمجموعة من النساء القويات والمستقلات، ومن ضمنهم والدتها، وخالتها، ومديرة مدرستها. وتؤكد على دورهن الكبير في مساعدتها على التحول للمرأة التي هي عليها اليوم.
ويعكس نجاحها في شركة “جنرال إلكتريك” تاريخها الحافل بالإنجازات. فقد كانت طالبة مبدعة في المرحلة الثانوية، لذلك لاقت استحسان مديرة المدرسة، وهي امرأة تعبر فاتن عن إعجابها بها دائماً.
وتقول فاتن: “لطالما شجعتني على المضي قدماً وتحقيق المزيد. وألهمتني أيضاً بقصتها النموذجية. فذات مرة عندما كانت حاملاً وتدرس في جامعة مرموقة في المغرب، وأثناء حضورها أحد الامتحانات النهائية تعرضت للمخاض. ومع ذلك، لم تغادر الامتحان حتى تنتهي من الاختبار. أتذكر ذلك دائماً. كانت قوية جداً ورحيمة جداً. لاشك أنها محطة هامة من رحلتي هذه”.
وكانت والدتها وخالتها من أبرز الداعمات لها. وكانت كلتاهما معنيتان بتربية الأطفال كعائلة متماسكة مع تأثير قوي لجدة فاتن. ولم تكن أي من النساء اللواتي يتولين شؤون المنزل جامعيات، وعلى الرغم من ذلك، كانت خالتها تمتلك وتدير شركة توريد معدات صناعية ناجحة. ولم تتوانى أي منهن عن تشجيع فاتن وأبناء أخوالها على القراءة كثيراً واكتساب أكبر قدر ممكن من المعرفة.
لطالما قالت خالتي وأمي: “إذا توقفنا عن تعليمنا الثانوي، لابد لك من المضي قدماً في تعليمك، فالجيل الجديد هو القادر على المضي قدماً نحو آفاق جديدة والقيام بالأفضل”.
وبينما تتطلع فاتن إلى المستقبل، تطمح لتولي منصب رئيس تنفيذي، لكن دون المساس بقيمها الرئيسية.
وتضيف: “عندما أصبح رئيسة تنفيذية، أود أن أتولى مهامي في ضوء قيمي الرئيسية وطبيعتي التي اعتاد عليها من يعرفونني، والحفاظ على معايير النزاهة والتسامح والصدق. وأدرك أنه عند ذلك المستوى، يتعين علينا اتخاذ قرارات صعبة، إلا أنني سأحرص حينها على جعلها قرارات عادلة ومبنية على فهم دقيق وتتسم الرحمة”.
وتختتم فاتن: “في نهاية المطاف، أود أن أظهر لأحفادي والنساء الأخريات أنه يمكننا تحقيق تطلعاتنا مع الحفاظ على قيمنا وأسسنا الأخلاقية، وأن نكون صادقين مع أنفسنا في كل مرحلة من مراحل حياتنا”.