أكدت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار أنها كأول امرأة عربية تترشح لرئاسة منظمة السياحة العالمية، لا تسعى فقط لتمثيل المرأة وإنما لتمثيل قطاع وتوجه عالمي لتجاوز محنة أساسية يمر بها القطاع السياحي الذي تعرض لهزة كبيرة خلال عام 2020 بسبب جائحة كورونا.
وقالت الشيخة مي في حوار أجرته معها مجلة «نصف الدنيا» التابعة لصحيفة الأهرام المصرية، خلال زيارتها الأخيرة لمصر، وينشر صباح اليوم السبت:
حرصت على بدء محطاتي وجولاتي من القاهرة، لما لمصر من مكانة كبيرة في قلب ووجدان كل مواطن عربي، فمصر هي أم الدنيا وحاضنة العرب جميعا، والتقيت خلال زيارتي بكل من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، كما التقيت الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار والمسؤولين بوزارة الخارجية المصرية.
وفيما يلي نص الحوار:
{ ما الأسباب التي دفعتك إلى الترشح لمنصب الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية؟
ترشيحي جاء من حكومة مملكة البحرين، وهو الأول من نوعه في منظمة عالمية، والقصد منه هو إعطاء فرصة للتعريف بهذا الدور وخصوصا أننا بعد جائحة كورونا التي عَمَّتْ العالم أجمع ربما تكون هناك تحديات كثيرة في هذا القطاع الحيوي، وكان ذلك السبب الرئيسي في ترشحي خلال الفترة القصيرة السابقة، وكان ذلك نوعا من التحدي والمسؤولية في أن أتقدم كاسم جديد لهذا المنصب.
وجوه نسائية
{ ما الذي يمثله لكِ كونك أول امرأة عربية تترشح لهذا المنصب الأممي؟
فخورة جدا كوني أول امرأة عربية تترشح لهذا المنصب، فدائما في المنظمات العالمية وخصوصا في الفترة الحالية هناك توجه لطلب وجوه نسائية وقد يخدم هذا الموضوع ترشحي هذا، لكن الغرض من ترشحي ليس تمثيل المرأة فقط وإنما تمثيل قطاع وتوجه عالمي لتجاوز محنة أساسية يمر بها القطاع السياحي الذي تعرض لهزة كبيرة خلال عام 2020 بسبب جائحة كورونا، ربما التباشير قادمة بانفراج الأزمة وعودة الأمور إلى طبيعتها وخصوصا أن الجميع يعاني.
وأعتقد أن هناك كثيرا من الدول التي تعول على السياحة كمصدر ورافد أساسي من روافد الاقتصاد الوطني والتنمية الاقتصادية، لذلك يأتي ترشحي في هذه الفترة وأتمنى أن تكون لدينا الرسالة الصحيحة وبدعم جميع الشخصيات والدول المحبة لهذا الحضور العربي في هذا المنصب، وأتمنى أن يكون لمملكة البحرين حظ في تمثيل هذا القطاع الحيوي.
{ وما الركائز التي تستند إليها رؤيتك لمستقبل المنظمة والتي ترشحتِ لتحقيقها؟
رؤيتي تستند على سبع ركائز، من بينها: إدارة الأزمات والتخطيط للمستقبل، والسياحة وأهداف التنمية المستدامة، وتعزيز التمويل من مختلف الدول، وحثهم على الاشتراك في المنظمة، وتوظيف الابتكار والتكنولوجيا الحديثة لدعم المبادرات السياحية، وزيادة التعاون مع المنظمات الدولية، والتعليم والتدريب والتوظيف، والتعاون مع القطاع الخاص لصالح السياحة.
مصر حاضنة العرب
{ جئتِ إلى القاهرة في بداية مشوار ترشحك، وآثرتِ أن تكون محطتك الأولى، ما أهم اللقاءات التي حرصتِ على إجرائها خلال هذه الزيارة؟ وما الهدف منها؟
حرصت على أن يكون بدء محطاتي وجولاتي من القاهرة، لما لمصر من مكانة كبيرة في قلب ووجدان كل مواطن عربي، فمصر هي أم الدنيا وحاضنة العرب جميعا، والتقيت خلال زيارتي بكل من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، كما التقيت الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار والمسؤولين بوزارة الخارجية، لطلب دعم مصر والدول العربية لي في هذا المنصب خلال الانتخابات التي ستُجرَى خلال اجتماع المكتب التنفيذي لمنظمة السياحة العالمية في 17 و18 يناير الجاري.
كما حظيت خلال الأيام الماضية بإجماع المجلس الوزاري العربي للسياحة في اجتماعهم على طلب مملكة البحرين بدعم ترشيحي.
مرشحة العرب
{ في لقائك مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، هل تطرق الحديث إلى شكل الدعم الذي تريدينه من الأشقاء العرب؟
بالتأكيد، فمن المفروض أن يكون المرشح العربي هو مرشحا عن جميع الدول العربية، فالمجلس التنفيذي للمنظمة هو الذي يحق له ترشيح المرشح القادم لهذا المنصب، توجد ست دول عربية من ضمن دول المجلس التي يحق لها الترشيح، فلذلك إن الدعم العربي مهم، وإن المرشح العربي يمثل كل الدول العربية، وأعتقد أن هذه الرسالة واضحة وأتمنى أن يكون الدعم من جميع الأشقاء العرب.
طريق اللؤلؤ
{ بصماتك في القطاع الثقافي بمملكة البحرين وفي الوطن العربي واضحة، وتمكنتِ من إدراج العديد من المواقع الأثرية على قائمة التراث العالمي، إلى أي مدى أصبح المكون الثقافي مكونا مهما في اقتصاد الدول لو أخذنا مملكة البحرين نموذجا؟
كلنا نعلم أن إدراج موقع في قائمة التراث الإنساني العالمي يحقق أكثر من 25 في المائة كمصدر جذب للسياحة، وكما تعلم كان هناك مؤتمر عُقِدَ في كمبوديا عن أهمية جمع القطاعين والتوجه الأممي في هذه الألفية التي نعيشها للاستدامة، ومواقع التراث الإنساني العالمي تحقق هذا النوع من السياحة المستدامة بتنمية المواقع وتنوع مصادر الدخل ربما لأجزاء لم يُستفد منها بالشكل الصحيح.
فلو أخذنا على سبيل المثال مشروع طريق اللؤلؤ بمحافظة المحرق بالبحرين والذي تم إدراجه على قائمة التراث الإنساني العالمي، نجد أن من أهم مقوماته المرور بالأحياء والارتقاء بها وتوفير فرص عمل وجذب سياحة نوعية تسلط الضوء على مضمون هذه الدول ومكتسباتها وعراقتها، وأيضا على إمكانية الاستفادة منها كمصدر لجذب سياحة مستدامة.
تعاون مستمر
{ التعاون الثقافي بين مصر والبحرين ممتد عبر التاريخ، ويحتفل البلدان العام الحالي بمرور 50 عاما على العلاقات الدبلوماسية الرسمية بينهما، فما الذي تقولينه في هذا الإطار؟
العلاقات الأساسية سبقت ذلك، والعلاقات الثقافية هي التي كانت البداية، والتواصل بين مثقفي مصر والبحرين مستمر، فالرموز الأدبية المصرية جميعهم حاضرون في ذاكرة كل مواطن عربي وليس بحرينيا فقط.
{ أثناء استقبال الرئيس السيسي لكِ خلال زيارته للعاصمة البحرينية المنامة في عام 2017، أكد أهمية التبادل الثقافي بين مصر ومملكة البحرين وإقامة فعاليات ثقافية مشتركة، إلى أي مدى وصل التعاون الثقافي بين البلدين؟
التعاون الثقافي بين البلدين مستمر وموجود بشكل دائم وبكل الأشكال، سواء على المستوى الأهلي، أو بحضور عدد من المثقفين في المراكز الثقافية أو على المستوى الرسمي.
فالتواصل دائما موجود وملموس، وفي أثناء زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي كان لنا شرف ترتيب اللقاء في متحف البحرين الوطني، ومن ثَمَّ ترتيب حفل آخر في المسرح الوطني، وكانت فرصة جميلة للتعريف بمعالم البحرين، وللاطلاع على إرثها الحضاري الذي ربما لا تتاح الفرصة للزيارات الرسمية للوصول إلى المواقع ذاتها، وإنما عبر القاعات الموجودة، كقاعة ما قبل التاريخ في متحف البحرين الوطني، وكانت فرصة للاطلاع على هذه الحقب الأثرية التي مرت بها البحرين.
{ كيف تنظرين إلى واقع الثقافة في الدول العربية حاليا، هل مازالت قادرة على الإبداع والعطاء كما كانت عليه في السابق، أم أن التقليد أصبح السمة السائدة؟
تعجبني الحركة الشبابية الرائعة والرائدة في مصر التي لا بد أن تغير المشهد الذي اعتدنا عليه، والجميل أن ما يأتي به هؤلاء الشباب ليس تقليدا لما يدور في الغرب، إنما يأتون بمبادرات تنبع من تراث ومخزون موجود ربما تبصره العين التي تحب الجمال ويأتي بابتكارات، فالابتكار هو ما يبهرني، فأنا أكره التقليد، ولا أحب أن نكون مقلدين فيما نراه، فدائما التقليد شيء غير حقيقي، فالحقيقة أو الإنتاج الجديد والمُبتَكر هو الذي يجذب سواء في الإبداع أو الفن والكتابة والإنتاج، فهذه الأمور هي التي تحرك العقل والوجدان وتحمس على العطاء.
{ يعد مركز الشيخ مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث بالمحرق الذي تشرفين عليه منبرا للإشعاع الثقافي، فما الدور الذي يلعبه في إثراء الحراك الثقافي؟
هو يعد مشروعا أهليا بمبادرة ذاتية، وتأسس المركز في عام 2002، وبالمناسبة هو الذي قادني إلى المؤسسة الرسمية، فقبل ذلك لم أكن أعمل بالقطاع الحكومي لكن نجاح المركز ونجاح التجربة وامتدادها ربما بدأنا بالبيت الأول وهو بيت الشيخ إبراهيم وامتد النشاط بعد ذلك إلى 29 بيتا كل منها يخدم مجالا من مجالات الثقافة، وأصبح للفنون معارضها، وللصحافة بيتها، وللموسيقى قاعاتها، هذا النشاط مستمر، وحتى في فترة الجائحة مازال مستمرا، وكثير من العروض ربما حين يَعِزُّ التواصل الفعلي تكون عن بعد، لكن الحضور يأتي إلى المركز ليكون قريبا من الشاشة التي يتم التواصل عبرها مع المُحَاضِر أو مع ضيف المركز، ويحفل بالعديد من الاسماء والقامات الرائعة من الوطن العربي والعالم أجمع ونعتز بأن تكون هي التي دائما أن يكون الضيف الذي يزور المركز يعطيه الأهمية ويمد جسور التواصل المطلوبة مع الدول الأخرى.
الثقافة فعل مقاومة
{ كيف تعاملتِ كرئيسة لهيئة الثقافة بمملكة البحرين مع تأثر القطاع الثقافي والأدبي بجائحة كورونا خلال عام 2020 في ضوء تجربة ربيع الثقافة الملهمة؟
دائما ما أقول إن الثقافة فعل مقاومة، استمرت الفعاليات ولو عن بعد، وكانت ورش العمل في ربيع الثقافة أو في صيف البحرين أو في مهرجان الموسيقى، تم عقد المهرجان في موقع قلعة البحرين وكان الحضور بالسيارات، وكان التواصل والحماس موجودًا، والرغبة في الحياة دائما ينتصر الفرح، ففي كل الأزمات نحاول أن يكون الفرح والجمال عنواننا، وأن نصل إلى الآخر بكل وسيلة متاحة.
{ أيهما تفضلين أن تكون هناك وزارة للثقافة كما كنتِ في السابق أم كونها هيئة؟
العمل في الثقافة لا يحتاج إلى مناصب، وأن العمل الأهلي الذي أقوم به يؤدي أيضا دورا ملموسا، كما أن العمل في الثقافة في بعض الأحيان لا يحتاج إلى ميزانيات، المهم الأفكار والتحرك على أرض الواقع والإنتاج وإلى أين تصل، ومن هو المتلقي الذي يسمعك ويتأثر بك ويُعطي.
الحرب ضد الرجعية
{ كيف تنظرين إلى استثمار الدول العربية في الثقافة في ضوء حجم الميزانيات التي يتم رصدها لهذا القطاع؟
هذا السؤال مؤلم، فمن يريد العمل في الشأن الثقافي فليحتسب نفسه محاربا، في مواجهة الأفكار التي تعود بنا إلى الوراء، وليس متطوعا فقط، فالتطوع أمر مفروغ منه، فالثقافة هي التي تجعلنا نلحق بركاب الأمم وألا نتخلف عن الآخرين، فلا بد أن نعود إلى ما كنا عليه وأن نفخر بمواقعنا وأراضينا التي تزخر بمعالم لتراث إنساني عالمي اليوم مهددة نتيجة الإرهاب والتطرف.
الثقافة وثراء الأوطان
{ من المسؤول عن تنامي التطرف في المجتمعات العربية؟ وهل يُعزى ذلك إلى التراجع الثقافي الذي نعيشه؟
كلنا مسؤولون، ولا نعفي أنفسنا من المسؤولية، فإذا رضينا بما يدور ولا نُحَرِّك ساكنا ولا نحتج ولا نغير ولا نطالب بالتغيير، فذلك تأثيره الذي نعيش تبعاته اليوم.
فلو قرأنا التاريخ لما وجدنا ما يدور حديثا شيئا جديدا، هي محطات في تاريخ الأمم والأوطان، فطبيعة البشر خُلِقنا بهذه الطبيعة التي لا تتعلم ولا تقرأ التاريخ ربما مزيدا من السماحة وجرعة أكبر من الثقافة تطغى على السياسة ربما تعطي نتائج أفضل وأجمل، وهناك إضاءات في الوطن العربي يجب أن نفخر بها في وطننا العربي.
فالمد الإسلامي الذي طغى على أمور ثقافية كانت هي المتمسك أو الطابع الأصلي الطبيعي لمجتمع عربي متقدم، هو سبب الأزمة التي يعاني منها مجتمعنا العربي اليوم.
فالثقافة هي السلاح الوحيد الذي بقي لنا، وهي الوسيلة الوحيدة لثراء الأوطان، فهي التي تجمع وتقرب وتعمر وتبني وترمم، لنقرب الجزء الآخر منا بعيدا عن مخططات التفتيت والتقسيم التي تحاك بأمتنا، فنحن يجمعنا هم واحد وثقافة مشتركة باختلاف الانتماءات، فنحن مكون واحد يجمعنا وطن واحد وأمة واحدة لمستقبل لأبناء نريد له فضاءً صحيا لكي يعطوا ما نتمنى لهم أن يحققوه لهم ولأنفسهم.
{ كمثقفة كيف تنظرين إلى صورة العالم العربي اليوم في ضوء الفرقة والصراعات والتشتت؟
أتألم، لكن إن توقفنا عند الألم لما نحقق شيئا، وعلينا أن نحاول، فأكره من يستسلم لهذا الوضع المحبط، فدائما ما ينتصر الألم والفرح، ففي فترات معينة من تاريخنا الحديث الذي مررنا به تمر الأوطان بأزمات ومحطات صعبة، ودائما ما أقول إن الثقافة وسيلة للمقاومة وزرع الأمل ولو حتى تحقيق أثر محدود في الشأن العام، ربما مجموع هذه الأمور المتفرقة تأتي بنتيجة وتأثير أكبر على مدى أطول، فالثقافة هي التي تجمع الشعوب.
لماذا امرأة؟!
{ كونك أول امرأة تتولى القطاع الثقافي في دولة خليجية عربية منوط بكِ مهام كثيرة جدا، كيف استطعتِ أن توائمي بين عملك وأسرتك؟
لماذا امرأة؟! أنا أعترض، فأي شخص يعمل في المجال الثقافي هو يكافح، فالثقافة في أوطاننا العربية وفي أجزاء مختلفة من العالم لا تأتي لها الأولوية في ميزانيات الدول ولا في برنامجها الحكومي، لذلك نعول على القطاع الخاص وعبر مشروع الاستثمار في الثقافة استطعنا أن نؤسس لبنية تحتية ثقافية تغطي هذا القصور الذي ربما الآن بدأ الالتفات إليه وإلى أهميته لكونه أيضا عنصر جذب لم يُوَظَّف بالشكل الصحيح في بلداننا العربية، جميعا نعاني من هذا الوضع وليست البحرين استثناءً.
{ الأمر ليس استثناءً لكن أن تكون لدى المرأة العربية رؤية وفكر وثقافة وأن تكون على احتكاك مباشر بمحيطها، كيف استطعت الوصول إلى ذلك؟
أن تشير إلى امرأة، فإن العمل فيه تحديات سواء كان للمرأة أم الرجل، الأمر لا يختلف، لكن يختلف الأسلوب والتحديات التي نواجهها وما نبتكره من وسائل لنتجاوزها.